اكتشف خبراء آثار بريطانيون بقايا قصر أو معبد قديم لم يكن معروفاً من قبل بالقرب من مدينة أور الأثرية في أول عملية تنقيب لبعثة أجنبية في هذا الموقع من جنوب العراق منذ ثلاثينيات القرن الماضي. فقد تمكّن فريق من المنقبين الآثاريين، الذين اعتمدوا على صور زوّدتهم بها الأقمار الصناعية تشير إلى وجود أبنية مدفونة تحت الأرض، من الكشف عن أحد أركان مجمّع كبير مؤلف من صفوف من الحجرات تحيط بباحة وسطية واسعة. ويعتقد العلماء المختصون أن عمر هذا البناء يعود لأربعة آلاف سنة خلت.
تقول رئيسة البعثة "جين مون"، وهي خبيرة آثار من جامعة مانشستر، ان البناء الجديد المكتشف يخطف الأنفاس بحجمه، وتضيف أن سمك الجدران يقارب التسعة أقدام وفي هذا إشارة إلى أن المبنى كانت له أهمية عظيمة، أو أن من بناه كان يتمتع بالثراء.
الأمر الذي يزيد من أهمية هذا الاكتشاف هو وقوع المبنى على بعد أكثر من 15 كيلومتراً عن مدينة أور نفسها، وهو موقع كان في تلك الأيام على ضفاف نهر الفرات مباشرة، وبذا يكون هذا هو أول أثر كبير ومهم يكتشف على مثل هذه المسافة عن المدينة.
كانت أور، وهي آخر عاصمة للإمبراطورية السومريّة، قد تعرّضت للغزو وانهارت ثم أعيد بناؤها قبل الميلاد بألفي عام، وقد خصّصت المدينة لإله القمر، وأشهر معالمها الزقّورة المدرّجة، ويعتقد كثيرون أنها كانت الموضع الذي ولد فيه النبي إبراهيم(عليه السلام) المعروف بأبي ديانة التوحيد.
كانت آخر عمليات تنقيب كبرى شهدتها منطقة أور قد أجريت من قبل فريق بريطاني أميركي مشترك يرأسه "السير تشارلز ليونارد وولي" في أعوام العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي. بيد أن المنطقة حظر دخولها على خبراء الآثار الأجانب في الخمسينيات بسبب قربها من موقع قاعدة جويّة عسكرية واستمر هذا الحظر طيلة نصف قرن.تقول مون: "عثر وولي على هذه الأبنية الضخمة، ولكنه لم يتمكن من تكوين صورة متكاملة عنها لمعرفة أصل حكايتها لأنها كانت قد أعيد ترميمها مرّة تلو مرّة حتى لكأن المرء يرى بابل جديدة تنتمي إلى القرن السابع قبل الميلاد، أو ربما أحدث من ذلك بكثير. لذلك لم يستطع وولي معرفة الغاية الحقيقية التي كانت تستخدم فيها، وإنني آمل من خلال وسائلي الحديثة أن أتمكن من التوصّل إلى شيء."كذلك اكتشف وولي في مدينة أور كنزاً مذهلاً يكاد يضاهي ما عثر عليه في مقبرة الملك توت، حيث وجد رفات 16 فرداً من العائلة الملكية مدفونين في أور ومعهم كنز من الذهب والمجوهرات المشغولة بمنتهى الدقة والمهارة بينها غطاء رأس للملكة مصنوع من رقائق الذهب على هيئة أوراق الشجر ومرصع باللازورد، بالإضافة إلى لقى أخرى من ضمنها قيثارة مذهبة ومرصعة بالأحجار الكريمة هي الأخرى، وكانت تلك أول آلة موسيقية معروفة.
في الثلاثينيات تم تقاسم الكنز بين المتحف البريطاني وجامعة بنسلفانيا، التي موّلت أعمال وولي، والمتحف العراقي الذي كان قد أسس حديثاً. تقول مون ان من المستحيل الجزم بما إذا كان الموقع الجديد يضم لقى مشابهة لتلك، ثم تضيف: "نحن في نهاية المطاف نبحث عن المعرفة لا القطع واللقى، ولكني أعتقد أن الاحتمال قائم دائماً. ففي عالم الآثار هناك دائماً مفاجآت تباغتك." تمضي مون فتبين أن الطرق الحديثة، مثل فحص شرائح بالغة الرقّة من التربة المصلّبة باستخدام مادة راتنجية خاصة تحت المجهر، يمكن أن تسلّط الضوء على تفاصيل مثل هل كانت تلك الأرض مغطاة بالسجّاد أم لا، أو إن كان سطح معيّن يستخدم لأعمال التقطيع. وعند تمرير عينات من التربة عبر آلة الغربال الرطب يمكن أن نخرج بمعلومات عن المناخ والزراعة من خلال دراسة ما نعثر عليه من شظايا عظام القوارض والعظايا.
تقول مون، التي نفذت آخر عمل لها في العراق إبان الحرب العراقية الإيرانية في أعوام الثمانينيات وهو توثيق المواقع الأثرية في الشمال قبل أن يغرقها صدام بمشاريع السدود التي كان يقيمها: "بوسعنا الآن أن ندرس بشكل واقعي اقتصاد تلك الفترات الغابرة، وهو ما لم يستطع من عثروا على هذه الأبنية أن يفعلوه في ذلك الزمن."
يتألف فريق السيدة مون، الذي ناضل أشدّ النضال قبل أن يتمكن من الحصول على التمويل وتأشيرات الدخول، من ستة آثاريين بريطانيين وخبير آثار عراقي مع اثنين من المتدرّبين العراقيين. يأتي معظم تمويل المشروع من جهة خيرية سويسرية مع مساهمة يقدّمها "المعهد البريطاني لدراسات العراق"، وهو الخليفة لمنظمة أسست في العام 1932 على شرف جرترود بل. كانت بل (أو "مس بل" كما تعرف في العراق إلى اليوم) موظفة إدارية بريطانية مارست عملها في العراق في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وهي التي أسست المتحف العراقي.
في العام 1932 مرّر قانون يمنع الآثاريين من نقل أية لقى أو قطع أثرية إلى خارج البلد، ولكن مون تعتقد أن استخراج المعرفة المرتبطة بالقطع الأثرية الموجودة لا يقل أهمية عن القطع نفسها. تقول: "لقد كان هناك دائماً شعور بأن ثمّة سلبا للملكية الثقافية." وتضيف أن جميع المعلومات والمعارف، بما فيها الرسوم، يجري تسجيلها الكترونياً من أجل سهولة جمعها والمشاركة بها. تخلص مون إلى القول: "نحن نسعى لتعميم هذه المعلومات وإشاعتها إلى أقصى حد ممكن لكي نمكّن منها كل من يحتاج إليها. ما من سبب يدعونا للتشبّث بها والانغلاق عليها ونحن نملك وسائل نشرها، وهذا هو ما سنحاول القيام به.
تم التحديث في 02 نيسان 2013 | المصدر: شبكة الاعلام العراقي |